فصل: الحديث الثَّامِن بعد الْعشْرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الحديث السَّادِس بعد الْعشْرين:

عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «أمرنَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن نَقْرَأ بِفَاتِحَة الْكتاب فِي كل رَكْعَة».
هَذَا الحَدِيث غَرِيب بِهَذَا اللَّفْظ، لَا يحضرني من خرَّجه بعد شدَّة الْبَحْث عَنهُ، وَعَزاهُ ابْن الْجَوْزِيّ فِي تَحْقِيقه إِلَى رِوَايَة أَصْحَابهم الْفُقَهَاء فَقَالَ: رَوَى أَصْحَابنَا من حَدِيث عبَادَة وَأبي سعيد قَالَا: «أمرنَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن نَقْرَأ الْفَاتِحَة فِي كل رَكْعَة» قَالَ: وَرووا أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَا صَلَاة لمن لم يقْرَأ الْفَاتِحَة فِي كل رَكْعَة» قَالَ: وَمَا عرفت هذَيْن الْحَدِيثين.
قلت: وعزاهما بعض الْحفاظ من الْحَنَابِلَة مُحَرر هَذَا الْكتاب إِلَى رِوَايَة إِسْمَاعِيل بن سعيد الشالنجي قَالَ: وَالْآخر رُوِيَ من حَدِيث أبي سعيد.
قلت: وَفِي سنَن ابْن مَاجَه من حَدِيث أبي سُفْيَان السَّعْدِيّ، عَن أبي نَضرة، عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «لَا صَلَاة لمن لم يقْرَأ فِي كل رَكْعَة بِالْحَمْد وَسورَة فِي فَرِيضَة أَو غَيرهَا».
وَإِسْنَاده ضَعِيف، فِيهِ سُوَيْد بن سعيد الحَدَثَاني، وَأَبُو سُفْيَان السَّعْدِيّ وهما مَتْرُوكَانِ وعيب عَلَى مُسلم إِخْرَاج حَدِيث الأول، وَرَوَى أَبُو يعْلى الْموصِلِي، عَن زُهَيْر، نَا عبد الصَّمد، نَا همام، نَا قَتَادَة، عَن أبي نَضرة، عَن أبي سعيد: «أمرنَا نَبِي الله أَن نَقْرَأ بِفَاتِحَة الْكتاب وَمَا تيَسّر».
وَرَوَاهُ الإِمَام أَحْمد، عَن عبد الصَّمد، وَرَوَاهُ أَيْضا عَن عَفَّان، عَن همام، وَعنهُ «بِفَاتِحَة الْكتاب». وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد، عَن أبي الْوَلِيد الطَّيَالِسِيّ، عَن همام. وَكَذَا رَوَاهُ عبد بن حميد فِي مُسْنده وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه عَن أبي يعْلى الْموصِلِي، وَسُئِلَ عَنهُ الدَّارَقُطْنِيّ فَقَالَ: يرويهِ قَتَادَة وَأَبُو سُفْيَان السَّعْدِيّ عَن أبي نَضرة مَرْفُوعا وَوَقفه أَبُو مسلمة عَن أبي نَضرة، كَذَلِك قَالَ أَصْحَاب شُعْبَة عَنهُ وَرَوَاهُ زنبقة، عَن عُثْمَان بن عمر، عَن شُعْبَة، عَن أبي مسلمة مَرْفُوعا، وَلَا يَصح رَفعه عَن شُعْبَة.
قلت: ويغني فِي الدّلَالَة عَلَى قِرَاءَة الْفَاتِحَة فِي كلِّ رَكْعَة عَن هَذِه الْأَحَادِيث الحديثُ الثَّابِت فِي صَحِيح البُخَارِيّ عَن مَالك بن الْحُوَيْرِث، أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «صلوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» وَقد ثَبت أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يقْرَأ بِفَاتِحَة الْكتاب فِي كل الرَّكْعَات، وَقد جَاءَ ذَلِك فِي عدَّة أَحَادِيث؛ مِنْهَا حَدِيث أبي قَتَادَة الثَّابت فِي الصَّحِيحَيْنِ: «كَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ فِي الظّهْر وَالْعصر فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَوليين بِفَاتِحَة الْكتاب وسورتين، ويسمعنا الْآيَة أَحْيَانًا، وَيقْرَأ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ بِأم الْكتاب».
ويستدل لذَلِك أَيْضا بِحَدِيث النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم للمسيء صلَاته؛ فَإِنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام علَّمه وَاجِبَات الصَّلَاة، فَقَالَ لَهُ: «إِذا قُمْت إِلَى الصَّلَاة فَكبر، ثمَّ اقْرَأ مَا تيَسّر مَعَك من الْقُرْآن...» إِلَى أَن قَالَ: «ثمَّ افْعَل ذَلِك فِي صَلَاتك كلهَا».
متَّفق عَلَيْهِ، وَفِي رِوَايَة للبيهقي بِإِسْنَاد صَحِيح: «ثمَّ افْعَل ذَلِك فِي كل رَكْعَة» وَفِي رِوَايَة لِأَحْمَد وَابْن حبَان «ثمَّ اقْرَأ بِأم الْقُرْآن...» إِلَى أَن قَالَ: «ثمَّ اصْنَع ذَلِك فِي كل رَكْعَة» وَهَذِه رِوَايَة جليلة؛ فاستفدها.

.الحديث السابعُ بعد الْعشْرين:

«أَنه صلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ فَاتِحَة الْكتاب، فَقَرَأَ: بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وعدها آيَة».
هَذَا الحَدِيث ذكره الشَّافِعِي فِي الْمُخْتَصر هَكَذَا بِغَيْر إِسْنَاد، وأسنده الْبُوَيْطِيّ فَقَالَ: أَخْبرنِي غير وَاحِد، عَن حَفْص بن غياث، عَن ابْن جريج، عَن ابْن أبي مليكَة، عَن أم سَلمَة: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ إِذا قَرَأَ أم الْقُرْآن بَدَأَ ب بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم، يعدها آيَة، ثمَّ قَرَأَ الْحَمد لله ربّ الْعَالمين يعدها سِتّ آيَات».
وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه عَن مُحَمَّد بن الْقَاسِم بن زَكَرِيَّا، ثَنَا عباد بن يَعْقُوب، نَا عمر بن هَارُون. ح ونا عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز، نَا إِبْرَاهِيم بن هَانِئ، نَا مُحَمَّد بن سعيد بن الْأَصْبَهَانِيّ، نَا عمر بن هَارُون الْبَلْخِي، عَن ابْن جريج، عَن ابْن أبي مليكَة، عَن أم سَلمَة: «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يقْرَأ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم * الْحَمد لله رب الْعَالمين * الرَّحْمَن الرَّحِيم * مَالك يَوْم الدَّين * إياك نعْبد وإيَّاك نستعين * اهدنا الصِّرَاط الْمُسْتَقيم * صِرَاط الَّذين أَنْعَمت عَلَيْهِم غير المغضوب عَلَيْهِم وَلَا الضَّالّين قطعهَا آيَة آيَة، وعدها عد الْأَعْرَاب، وعد بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم آيَة، وَلم يعد: عَلَيْهِم».
وَهَذَا حَدِيث سَائِر رُوَاته ثِقَات، الْبَغَوِيّ مَعْرُوف، وَابْن هَانِئ. قَالَ ابْن أبي حَاتِم: ثِقَة صَدُوق. وَابْن الْأَصْبَهَانِيّ رَوَى عَنهُ البُخَارِيّ. وَعمر بن هَارُون وثق وَترك، قَالَ التِّرْمِذِيّ فِي بَاب الْأَخْذ من اللِّحْيَة: سَمِعت مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل يَقُول: عمر بن هَارُون مقارب الحَدِيث وَبَاقِي الْإِسْنَاد لَا يسْأَل عَنهُ. وَنقل النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب عَن الدَّارَقُطْنِيّ أَنه قَالَ: إِسْنَاده كلهم ثِقَات، وَهُوَ إِسْنَاد صَحِيح.
قلت: وَأخرجه ابنُ خُزَيْمَة فِي صَحِيحه وَالْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه من هَذَا الْوَجْه أَيْضا، رَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة عَن أبي بكر بن إِسْحَاق الصغاني، نَا خَالِد بن خِدَاش، نَا عمر بن هَارُون. وَرَوَاهُ الْحَاكِم عَن الْأَصَم، عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق الصغاني، قَالَ: وَأَخْبرنِي أَبُو مُحَمَّد بن زِيَاد الْعدْل، نَا ابْن خُزَيْمَة، ثَنَا أَبُو بكر بن إِسْحَاق الصغاني، نَا خَالِد بن خِدَاش، ثَنَا عمر بن هَارُون عَن ابْن جريج، عَن ابْن أبي مليكَة، عَن أم سَلمَة: «أَنَّ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ فِي الصَّلَاة بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم- يعدها آيَة- الْحَمد لله رب الْعَالمين آيَتَيْنِ الرَّحْمَن الرَّحِيم ثَلَاث آيَات مَالك يَوْم الدَّين أَربع آيَات، وَقَالَ: هَكَذَا إياك نعْبد وَإِيَّاك نستعين وَجمع خمس أَصَابِعه».
قَالَ أَبُو مُحَمَّد الْمَقْدِسِي- الْمَعْرُوف بِأبي شامة-: لما وقف النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَى هَذِه المقاطع أخبر عَنهُ أَنه عد كل مقطع آيَة، وَأما الَّذِي عد أَصَابِعه فَهُوَ بعض الروَاة حِين حدث بِهَذَا الحَدِيث فعل ذَلِك زِيَادَة فِي الْبَيَان قَالَ: وَفِي عمر بن هَارُون هَذَا كَلَام لبَعض الْحفاظ، إِلَّا أَن حَدِيثه أخرجه ابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه وَقَالَ الْحَاكِم: عمر بن هَارُون أصل فِي السّنة، وَلم يخرجَاهُ.
قلت: وَلم يتفرد بِهِ؛ بل تَابعه حَفْص بن غياث كَمَا أسلفناه عَن رِوَايَة الْبُوَيْطِيّ، وَكَذَا قَالَ ابْن الصّلاح: أخرج هَذَا الحَدِيث ابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه وَاحْتج بِهِ فِي الْمَسْأَلَة، وَإِن كَانَ عمر بن هَارُون لَيْسَ بِالْقَوِيّ؛ فقد تَابعه عَلَيْهِ غَيره. ثمَّ ذكر رِوَايَة الْبُوَيْطِيّ. قَالَ الْحَاكِم: هَذَا شَاهد للْحَدِيث الصَّحِيح عَلَى شَرطهمَا، عَن أم سَلمَة قَالَت: «كَانَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ: بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم * الْحَمد لله رب الْعَالمين يقطعهما حرفا حرفا» وَفِي رِوَايَة لَهُ أَيْضا- أَعنِي: الْحَاكِم- عَن أم سَلمَة قَالَت: «كَانَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يقطع قِرَاءَته بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم * الْحَمد لله رب الْعَالمين * الرَّحْمَن الرَّحِيم * مَالك يَوْم الدَّين».
قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي خلافياته: إِسْنَاده صَحِيح وَرُوَاته ثِقَات. وَفِي رِوَايَة للْحَاكِم أَيْضا فِي أَوَائِل بَاب قراءات رَسُول عَن أم سَلمَة أَيْضا «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يقطع قِرَاءَته آيَة آيَة آيَة: {الْحَمد لله رب الْعَالمين} ثمَّ يقف: {الرَّحْمَن الرَّحِيم} ثمَّ يقف» ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. وأعل الطَّحَاوِيّ هَذَا الحَدِيث بالانقطاع؛ فَقَالَ فِي كِتَابه الرَّد عَلَى الْكَرَابِيسِي: لم يسمع ابْن أبي مليكَة هَذَا الحَدِيث من أم سَلمَة، وَاسْتدلَّ عَلَيْهِ بِمَا أسْندهُ من حَدِيث اللَّيْث، عَن ابْن أبي مليكَة، عَن يعْلى بن مملك «أَنه سَأَلَ أم سَلمَة عَن قِرَاءَة رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فنعتت لَهُ قِرَاءَة مفسرة حرفا حرفا» وَهَذَا لَا يدل لمدعاة؛ إِذْ يحْتَمل أَن يكون عِنْد ابْن أبي مليكَة لَهُ طَرِيقَانِ، وَيُقَوِّي هَذَا تَصْحِيح من مَضَى لَهُ من طَرِيقه عَن أم سَلمَة، وَقد ذكر التِّرْمِذِيّ هَذَا الحَدِيث الَّذِي ذكره الطَّحَاوِيّ فِي أَبْوَاب الْقِرَاءَة، وَقَالَ فِيهِ: غَرِيب حسن صَحِيح قَالَ: وَقد رَوَى ابْن جريج هَذَا الحَدِيث، عَن ابْن أبي مليكَة، عَن أم سَلمَة، وَالْأول أصح، وَهَذَا من التِّرْمِذِيّ نقيض لصِحَّة الأول أَيْضا.

.الحديث الثَّامِن بعد الْعشْرين:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «إِذا قَرَأْتُمْ فَاتِحَة الْكتاب فاقرءوا: بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم؛ فَإِنَّهَا أم الْقُرْآن والسبع المثاني، وبِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم إِحْدَى آياتها».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه عَن يَحْيَى بن مُحَمَّد بن صاعد، وَمُحَمّد بن أبي مخلد قَالَا: نَا جَعْفَر بن مكرم، نَا أَبُو بكر الْحَنَفِيّ، نَا عبد الحميد بن جَعْفَر، أَخْبرنِي نوح بن أبي بِلَال، عَن سعيد بن أبي سعيد المَقْبُري، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «إِذا قَرَأْتُمْ الْحَمد لله فاقرءوا: بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم إِنَّهَا أم الْقُرْآن وَأم الْكتاب والسبع المثاني وبِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم إِحْدَى آياتها».
قَالَ أَبُو بكر الْحَنَفِيّ: ثمَّ لقِيت نوحًا فَحَدثني عَن سعيد بن أبي سعيد المَقْبُري، عَن أبي هُرَيْرَة مثله وَلم يرفعهُ.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: ونا أَبُو طَالب الْحَافِظ، نَا أَحْمد بن مُحَمَّد بن مَنْصُور بن أبي مُزَاحم ثَنَا جدي، نَا أَبُو أويس، عَن الْعَلَاء بن عبد الرَّحْمَن بن يَعْقُوب، عَن أَبِيه، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «أَنه كَانَ إِذا قَرَأَ وَهُوَ يؤم النَّاس افْتتح ب بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم قَالَ أَبُو هُرَيْرَة: هِيَ آيَة من كتاب الله اقْرَءُوا إِن شِئْتُم فَاتِحَة الْكتاب؛ فَإِنَّهَا الْآيَة السَّابِعَة» وَفِي رِوَايَة لَهُ «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا أم النَّاس قَرَأَ: {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}، لم يزدْ عَلَى هَذَا}» يَعْنِي رَاوِيه.
قلت: وَسَائِر رُواة هَذَا الحَدِيث من جَمِيع طرقه ثِقَات، جَعْفَر بن مكرم قَالَ ابْن أبي حَاتِم: صَدُوق. وَأَبُو بكر الْحَنَفِيّ هُوَ عبد الْكَبِير بن عبد الْمجِيد ثِقَة من رجال الصَّحِيحَيْنِ وَعبد الحميد بن جَعْفَر من رجال مُسلم ووثَّقه ابْن معِين وَابْن سعد. وَقَالَ أَحْمد وَالنَّسَائِيّ: لَا بَأْس بِهِ. ونوح بن أبي بِلَال وثَّقه أَحْمد وَيَحْيَى وَأَبُو حَاتِم الرَّازِيّ، وَقَالَ أَبُو زرْعَة وَالنَّسَائِيّ: لَا بَأْس بِهِ والمقبري من رجال الصَّحِيحَيْنِ وَقَالَ أَحْمد: وَلَيْسَ بِهِ بَأْس. فَلم يبْق إلاَّ تردد نوح بن أبي بِلَال وَوَقفه إِيَّاه أخيرًا، لَكِن قد تقرر أَنه ثِقَة، والراوي الثِّقَة قد يُرْسل الحَدِيث وَقد ينشط فيرفعه.
لَا جَرَمَ قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ عقب الرِّوَايَة الأولَى: رجال إِسْنَاده كلهم ثِقَات. نَقله عَنهُ النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب وَلم أره فِي سنَنه فِيمَا وقفت عَلَيْهِ من نسخه، وَلَعَلَّه قَالَهَا فِي مُصَنفه فِي الْجَهْر أَو فِي غَيره، وَأما رد ابْن الْقطَّان لَهُ بالتردد السالف فَلم يسلم لَهُ، وَكَذَا رد ابْن الْجَوْزِيّ فِي تَحْقِيقه لَهُ بِعَبْد الحميد، وَوَقع فِي وسيط الإِمَام الْغَزالِيّ أَن البُخَارِيّ رَوَى «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام عد فَاتِحَة الْكتاب سبع آيَات، وعد {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم} آيَة مِنْهَا» وَهُوَ وهم مِنْهُ فَلَيْسَ ذَلِك فِي صَحِيحه وَلَا تَارِيخه وَتبع فِي ذَلِك شَيْخه الإِمَام؛ فَإِنَّهُ ذكره كَذَلِك فِي نهايته وَلَعَلَّه أَرَادَ رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ، فَسبق الْقَلَم إِلَى البُخَارِيّ.

.الحديث التَّاسِع بعد الْعشْرين:

عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَ: «كَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يعرف فصل السورتين حَتَّى تنزل بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور: أَبُو دَاوُد فِي سنَنه، وَالْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه وَقَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرطهمَا وَلم يخرجَاهُ. وَفِي رِوَايَة لَهُ: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ إِذا جَاءَهُ جِبْرِيل فَقَرَأَ: بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم علم أَنَّهَا سُورَة» ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد.
قلت: فِيهِ نظر؛ فَإِن فِيهِ المثنَّى بن الصَّباح، وَهُوَ ضَعِيف. قَالَ أَحْمد: لَا يُسَاوِي شَيْئا، هُوَ مُضْطَرب. وَقَالَ النَّسَائِيّ: مَتْرُوك الحَدِيث وَضَعفه يَحْيَى وَالدَّارَقُطْنِيّ. وَفِي رِوَايَة لَهُ عَن ابْن عَبَّاس؛ قَالَ: «كَانَ الْمُسلمُونَ لَا يعلمُونَ انْقِضَاء السُّورَة حَتَّى تنزل: بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم؛ فَإِذا نزلت بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم، علمُوا أَن السُّورَة قد انْقَضتْ» ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرطهمَا، وَلم يخرجَاهُ. وَهُوَ كَمَا قَالَ.

.الحديث الثَّلَاثُونَ:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «سُورَة تشفع لقائلها، وَهِي ثَلَاثُونَ آيَة أَلا وَهِي تبَارك الَّذِي بِيَدِهِ الْملك».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه فِي سُنَنهمْ، وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه وَالْحَاكِم أَبُو عبد الله فِي مُسْتَدْركه عَلَى الصَّحِيحَيْنِ من رِوَايَة أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور، وَفِي رِوَايَة ابْن حبَان: «تستغفر لصَاحِبهَا حَتَّى يغْفر لَهُ». وَلَفظ أَحْمد: «إِن سُورَة من الْقُرْآن ثَلَاثُونَ آيَة شفعت لرجل حَتَّى غفر لَهُ، وَهِي تبَارك الَّذِي بِيَدِهِ الْملك».
قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن. وَقَالَ الْحَاكِم: صَحِيح الْإِسْنَاد. وَذكره البُخَارِيّ فِي تَارِيخه الْكَبِير من رِوَايَة عَبَّاس الجُشَمي، عَن أبي هُرَيْرَة؛ كَمَا أخرجه أَبُو دَاوُد وَمن ذكر مَعَه، وَقَالَ: لم يذكر سَمَاعه من أبي هُرَيْرَة. قَالَ الْمُنْذِرِيّ: يُرِيد أَنَّ عبَّاسًا الجُشَمي رَوَى هَذَا الحَدِيث عَن أبي هُرَيْرَة، وَلم يذكر فِيهِ أَنه سَمعه مِنْهُ.
قلت: وَلِهَذَا الحَدِيث طَرِيق آخر رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه من حَدِيث ثَابت عَن أنس بن مَالك قَالَ: قَالَ رسولُ الله: «سُورَة من الْقُرْآن مَا هِيَ إِلَّا ثَلَاثُونَ آيَة خَاصَمت عَن صَاحبهَا حَتَّى أدخلته الْجنَّة، وَهِي سُورَة تبَارك» ثمَّ قَالَ الطَّبَرَانِيّ: لم يروه عَن ثَابت الْبنانِيّ إِلَّا سَلام بن مِسْكين.
قلت: هُوَ أحد ثِقَات الْبَصرِيين، من رجال الصَّحِيحَيْنِ لكنه يُرْمَى بِالْقدرِ. قَالَ أَبُو دَاوُد: كَانَ يذهب إِلَيْهِ.

.الحديث الحَادِي والثَّانِي وَالثَّالِث بعد الثَّلَاثِينَ:

عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَ: «صليت خلف النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأبي بكر وَعمر، فَكَانُوا يجهرون بالبسملة» وَعَن عَلّي وَابْن عَبَّاس: «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يجْهر بهَا فِي الصَّلَاة بَين السورتين».
الْأَحَادِيث الثَّلَاثَة مخرَّجة فِي سنَن الدَّارَقُطْنِيّ.
أما الأول: وَهُوَ حَدِيث ابْن عمر فَرَوَاهُ عَن: عمر بن الْحسن بن عَلّي الشَّيْبَانِيّ، نَا جَعْفَر بن مُحَمَّد بن مَرْوَان، نَا أَبُو الطَّاهِر أَحْمد بن عِيسَى، نَا ابْن أبي فديك، عَن ابْن أبي ذِئْب، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر قَالَ: «صلَّيْتُ خلف النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأبي بكر وَعمر؛ فَكَانُوا يجهرون بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم».
عمر بن الْحسن شيخ الدَّارَقُطْنِيّ وثَّقه بَعضهم وَتكلم فِيهِ آخَرُونَ.
وجعفر بن مُحَمَّد بن مَرْوَان قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: لَا يحتجُّ بحَديثه. وَأَبُو الطَّاهِر بن عِيسَى قَالَ ابْن أبي حَاتِم: هُوَ ابْن مُحَمَّد بن عمر بن عَلّي بن أبي طَالب الْعلوِي، رَوَى عَن ابْن أبي فديك، رَوَى عَنهُ أَبُو يُونُس الْمدنِي قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: كَذَّاب.
وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه مستشهدًا بِهِ عَن أبي بكر البردعي، نَا أَبُو الْفضل الْعَبَّاس بن عمرَان القَاضِي، نَا أَبُو جَابر سيف بن عَمْرو، نَا مُحَمَّد بن أبي السّري، أَنا إِسْمَاعِيل بن أبي أويس، نَا مَالك، عَن حميد عَن أنس قَالَ: «صلَّيت خلف النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَخلف أبي بكر وَخلف عمر وَخلف عُثْمَان وَخلف عَلّي فَكَانُوا كلهم يجهرون بِقِرَاءَة بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم».
وَأما الثَّانِي: وَهُوَ حَدِيث عَلّي فَرَوَاهُ أَيْضا- أَعنِي الدَّارَقُطْنِيّ- عَن أبي الْقَاسِم الْبَزَّاز، نَا الْقَاسِم بن الْحسن الزبيدِيّ، نَا أسيد بن زيد، نَا عَمْرو بن شمر، عَن جَابر، عَن أبي الطُّفَيْل، عَن عَلّي وعمار: «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يجْهر فِي المكتوبات بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم».
عَمْرو هَذَا واه. ثمَّ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث إِبْرَاهِيم بن الحكم بن ظهير، نَا مُحَمَّد بن حسان الْعَبْدي، عَن جَابر، عَن أبي الطُّفَيْل قَالَ: سَمِعت عَلّي بن أبي طَالب وَعمَّارًا يَقُولَانِ: «إِن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يجْهر بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم».
الحكم هَذَا قَالَ البُخَارِيّ: تَرَكُوهُ.
وَأما الثَّالِث وَهُوَ حَدِيث ابْن عَبَّاس فَرَوَاهُ أَيْضا أَعنِي الدَّارَقُطْنِيّ- كَمَا سَيَأْتِي- وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ فِي جَامعه بعد أَن بوَّب: مَا جَاءَ فِي الْجَهْر بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم من حَدِيث أَحْمد بن عَبدة الضَّبِّيّ، نَا الْمُعْتَمِر بن سُلَيْمَان قَالَ: حَدثنِي إِسْمَاعِيل بن حَمَّاد، عَن أبي خَالِد، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «كَانَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يفْتَتح صلَاته بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم» ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث لَيْسَ إِسْنَاده بِذَاكَ.
قلت: أَحْمد بن عَبدة الضَّبِّيّ ثِقَة حُجَّة، احتجَّ بِهِ مُسلم، وَوَثَّقَهُ أَبُو حَاتِم وَالنَّسَائِيّ. والمعتمر بن سُلَيْمَان: لَا يسْأَل عَنهُ، احْتج بِهِ الشَّيْخَانِ وَالْأَرْبَعَة. وَإِسْمَاعِيل بن حَمَّاد: صَدُوق وَثَّقَهُ يَحْيَى بن معِين، وَقَالَ أَبُو حَاتِم: يكْتب حَدِيثه. نعم، قَالَ الْأَزْدِيّ يَتَكَلَّمُونَ فِيهِ. وَوهم ابْن الْجَوْزِيّ فِي تَحْقِيقه فَادَّعَى أَن رَاوِيه حَمَّاد بن أبي سُلَيْمَان وَقَالَ: كذبه ابْن معِين. وَإِنَّمَا هُوَ إِسْمَاعِيل بن حَمَّاد بن أبي سُلَيْمَان كَمَا علمت وَقد صرح بذلك أَيْضا ابْن عدي فِي كَامِله، والعقيلي فِي ضُعَفَائِهِ. وَبَقِي الشَّأن فِي أبي خَالِد هَذَا فَقيل: إِنَّه الْوَالِبِي الْكُوفِي، واسْمه هُرْمُز وَقيل: هرم. قَالَ أَبُو حَاتِم: صَالح الحَدِيث، وَذكره ابْن حبَان فِي ثقاته. وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي الكنى: سُئِلَ أَبُو زرْعَة عَنهُ فَقَالَ: لَا أَدْرِي من هُوَ لَا أعرفهُ. وَذكره ابْن أبي حَاتِم فِي الْأَسْمَاء تَرْجَمَة أبي خَالِد الْوَالِبِي، وَسَماهُ هُرْمُز وَقَالَ الْعقيلِيّ فِي إِسْمَاعِيل: حَدِيثه غير مَحْفُوظ ويحكيه، عَن مَجْهُول، ثمَّ سَاق الحَدِيث. وَسَاقه ابْن عدي كَذَلِك، ثمَّ سَاقه من حَدِيث إِسْمَاعِيل بن حَمَّاد، عَن عمرَان بن أبي خَالِد، عَن ابْن عَبَّاس بِهِ، ثمَّ قَالَ: وَهَذَا الحَدِيث لَا يرويهِ غير مُعْتَمر، وَهُوَ غير مَحْفُوظ، سَوَاء قَالَ عَن أبي خَالِد أَو عَن عمرَان بن أبي خَالِد جَمِيعًا مَجْهُولَانِ.
وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه من حَدِيث أبي الصَّلْت الْهَرَوِيّ، عَن عباد بن الْعَوام، عَن شريك، وَالْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه من حَدِيث عبد الله بن عَمْرو بن حسان، عَن شريك، عَن سَالم، عَن سعيد بن جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «كَانَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يجْهر فِي الصَّلَاة بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم» قَالَ الْحَاكِم: قد احْتج البُخَارِيّ بسالم هَذَا وَهُوَ ابْن عجلَان الْأَفْطَس. وَاحْتج مُسلم بِشريك. وَهَذَا إِسْنَاد صَحِيح وَلَيْسَ لَهُ عِلّة وَلم يخرجَاهُ.
قلت: هما مَعْذُوران فِي عدم تَخْرِيجه؛ فَإِن عبد الله الْمَذْكُور كذبه غير وَاحِد من الْأَئِمَّة، وَنسبه عَلّي بن الْمَدِينِيّ إِلَى الْوَضع، وَالْعجب كَيفَ خَفِي حَاله عَلَى هَذَا الْحَافِظ الْكَبِير. وَأَبُو الصَّلْت الَّذِي فِي سَنَد الدَّارَقُطْنِيّ مَتْرُوك، وَقد رَوَاهُ ابْن رَاهَوَيْه فِي مُسْنده عَن يَحْيَى بن آدم، أَنا شريك، عَن سَالم الْأَفْطَس، عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: «كَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يجْهر بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم يمدُّ بهَا صَوته» وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من طَرِيق مُعْتَمر أَيْضا كَمَا سلف، وَمن طَرِيق أَحْمد بن مُحَمَّد بن يَحْيَى بن حَمْزَة قَالَ: حَدثنِي أبي، عَن أَبِيه قَالَ: «صَلَّى بِنَا أَمِير الْمُؤمنِينَ الْمهْدي الْمغرب، فجهر بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم. قَالَ: فَقلت: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، مَا هَذَا؟ فَقَالَ: حَدثنِي أبي، عَن أَبِيه، عَن جدِّه، عَن ابْن عَبَّاس: أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم جهر بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم. قَالَ: قلت فآثره عَنْك؟ قَالَ: نعم».
وَمن طَرِيق جَعْفَر بن عبسة بن عَمْرو الْكُوفِي، نَا عمر بن حَفْص الْمَكِّيّ، وَلَا يعرفان كَمَا قَالَه ابْن الْقطَّان. نعم الثَّانِي ذكره ابْن حبَان فِي ثقاته، عَن ابْن جريج، عَن عَطاء، عَن ابْن عَبَّاس «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يزل يجْهر فِي السورتين بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم حَتَّى قبض» وَنقل النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب وَقَبله أَبُو أُسَامَة الْمَقْدِسِي فِي مصنَّفه فِي الْجَهْر بالبسملة عَن الدَّارَقُطْنِيّ أَنه قَالَ فِي طَرِيق مُعْتَمر وَأحمد بن مُحَمَّد بن يَحْيَى بن حَمْزَة: هَذَا إِسْنَاد صَحِيح، لَيْسَ فِي رُوَاته مَجْرُوح. وَفِي الْبَاب أَحَادِيث صَحِيحه صَرِيحَة لَيْسَ لأحد فِيهَا مطْعن، قَالَ الإِمَام أَبُو مُحَمَّد الْمَقْدِسِي فِي كِتَابه الْمَعْرُوف فِي الْبَسْمَلَة وَهُوَ كتاب نَفِيس جدًّا: اعْلَم أَن الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي الْجَهْر كَثِيرَة مُتعَدِّدَة عَن جماعةٍ من الصَّحَابَة يرتقي عَددهمْ إِلَى أحد وَعشْرين صحابيًّا رووا ذَلِك عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْهُم من صرح بذلك، وَمِنْهُم من فهم من عِبَارَته، وَلم يَرِدْ تصريحُ الْإِسْرَار بهَا عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا رِوَايَتَانِ: إِحْدَاهمَا: عَن ابْن مُغفل وَهِي ضَعِيفَة، وَالثَّانيَِة: عَن أنس، وَهِي معللة بِمَا أوجب سُقُوط الِاحْتِجَاج بهَا.
وَمِنْهُم من اسْتدلَّ بِحَدِيث: «قسمت الصَّلَاة بيني وَبَين عَبدِي نِصْفَيْنِ» وَلَا دَلِيل فِيهِ للإسرار.
وَأما أَحَادِيث الْجَهْر فالحجة قَائِمَة بِمَا شهد لَهُ بِالصِّحَّةِ مِنْهَا؛ وَهُوَ مَا رُوِيَ عَن سِتَّة من الصَّحَابَة: أبي هُرَيْرَة، وَأم سَلمَة، وَابْن عَبَّاس، وَأنس، وَعلي بن أبي طَالب، وَسمرَة بن جُنْدُب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم. ثمَّ ذكر ذَلِك بِطرقِهِ وَقد كنتُ كتبتُ هُنَا مِنْهُ أوراقًا بِزِيَادَات عَلَيْهِ وأحلتُ فِي شرحي للمنهاج عَلَيْهِ، وَرَأَيْت الْآن حذف ذَلِك هُنَا مسارعة إِلَى إِكْمَال هَذِه المبيَّضة الثَّانِيَة فَإِنَّهُ أهم، وليراجع من أَرَادَ ذَلِك من الْكتاب الْمَذْكُور لأبي شامة الْحَافِظ رَحِمَهُ اللَّهُ.

.الحديث الرَّابِع بعد الثَّلَاثِينَ:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يوالي فِي قِرَاءَة الْفَاتِحَة وَقَالَ: صلوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي».
أما كَونه «كَانَ يوالي فِي قِرَاءَة الْفَاتِحَة» فَهُوَ أشهر من أَن يذكر لَهُ دَلِيل، وأوضح من أَن يحْتَاج إِلَى برهَان وتعليل، وَأما قَوْله: «صلوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» فسلف الْكَلَام عَلَيْهِ فِي بَاب الْأَذَان، وَذكر الرَّافِعِيّ هُنَا حَدِيث «لَا صَلَاة إِلَّا بِفَاتِحَة الْكتاب». وَقد سلف الْكَلَام عَلَيْهِ، وَذكر أَيْضا أَنه ندب إِلَى أَن يُؤمن الْمَأْمُون مَعَ إِمَامه وَأَنه إِذا قَرَأَ آيَة رَحْمَة سَأَلَهَا الْمَأْمُوم، أَو آيَة عَذَاب استعاذ مِنْهُ، وَالْفَتْح عَلَى الإِمَام، وَالْحَمْد عِنْد العطاس مَنْدُوب إِلَيْهِ وَإِن كَانَ فِي الصَّلَاة، وَهَذَا لَا يلْزَمنِي تَخْرِيجه، وَفِيه أَحَادِيث منتشرة لَو تبرعت بذكرها لطال وَصَارَ شرحًا.

.الحديث الخَامِس بعد الثَّلَاثِينَ:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «إِذا قَامَ أحدكُم إِلَى الصَّلَاة فَليَتَوَضَّأ كَمَا أمره الله- تَعَالَى- فَإِن كَانَ لَا يحسن شَيْئا من الْقُرْآن فليحمد الله وليكبره».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من حَدِيث رِفَاعَة بن رَافع- كَمَا أسلفنا بِلَفْظِهِ فِي الحَدِيث السَّادِس من الْبَاب- وَقَالَ: إِنَّه حَدِيث حسن. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد أَيْضا كَمَا أسلفناه هُنَاكَ، وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه بِلَفْظ: «إِنَّهَا لَا تتمّ صَلَاة أحدكُم حَتَّى يسبغ الْوضُوء كَمَا أمره الله- تَعَالَى- يغسل وَجهه وَيَديه إِلَى الْمرْفقين، وَيمْسَح رَأسه وَرجلَيْهِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ، ثمَّ يكبر ويحمد الله ويمجده وَيقْرَأ من الْقُرْآن مَا أذن الله لَهُ فِيهِ، ثمَّ يكبر فيركع...» الحَدِيث بِطُولِهِ، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم بعد أَن أَقَامَ يَحْيَى بن همام إِسْنَاده؛ فَإِنَّهُ حَافظ ثِقَة، وَلم يخرجَاهُ بِهَذِهِ السِّيَاقَة، إِنَّمَا اتفقَا مِنْهُ عَلَى حَدِيث المَقْبُري، عَن أبي هُرَيْرَة.
قَالَ: وَقد رَوَى مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل هَذَا الحَدِيث فِي تَارِيخه الْكَبِير عَن حجاج بن منهال وَحكم لَهُ بحفظه، ثمَّ قَالَ: لم يقمه حَمَّاد بن سَلمَة. قَالَ الْحَاكِم: وَقد أَقَامَ هَذَا الْإِسْنَاد دَاوُد بن قيس الْفراء، وَمُحَمّد بن إِسْحَاق بن يسَار، وَإِسْمَاعِيل بن جَعْفَر بن أبي كثير، ثمَّ ذكر ذَلِك عَنْهُم بأسانيده وَنَازع الْبَيْهَقِيّ الْحَاكِم فِي قَوْله «إِنَّه عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ» فَقَالَ فِي خلافياته: عَلّي بن يَحْيَى بن خَلاد الْمَذْكُور فِي إِسْنَاده، وَأَبوهُ من شَرط البُخَارِيّ فَقَط.
وقَالَ الْحَافِظ أَبُو مُوسَى الْأَصْبَهَانِيّ فِي كِتَابه معرفَة الصَّحَابَة: اخْتلف فِي إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث فَقَالَ عبد الله بن مُحَمَّد الزُّهْرِيّ: عَن ابْن عُيَيْنَة، عَن ابْن عجلَان، عَن عَلّي بن يَحْيَى بن عبد الله بن خَلاد، عَن أَبِيه، عَن جده. وَقَالَ عبد الْجَبَّار: عَن ابْن عُيَيْنَة، عَن ابْن عجلَان، عَن رجلٍ من الْأَنْصَار، عَن أَبِيه، عَن جده. قَالَ: والْحَدِيث مَشْهُور بِرِوَايَة ابْن رِفَاعَة.
وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي علله: سَأَلت أبي عَنهُ فَقَالَ: الصَّحِيح عَن عَلّي بن يَحْيَى بن خَلاد، عَن أَبِيه، عَن عَمه رِفَاعَة. وَكَذَا قَالَ أَبُو زرْعَة.